فصل: فصل: إمامة كثير اللحن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب الإمامة وصلاة الجماعة

الجماعة واجبة للصلوات الخمس‏,‏ روى نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى وبه قال عطاء والأوزاعي‏,‏ وأبو ثور ولم يوجبها مالك والثوري وأبو حنيفة‏,‏ والشافعي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة‏)‏ متفق عليه ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على اللذين قالا‏:‏ صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة لأنكر عليهما ولأنها لو كانت واجبة في الصلاة لكانت شرطا لها كالجمعة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ الآية ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها وروى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس‏,‏ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم‏)‏ متفق عليه وفيه ما يدل على أنه أراد الجماعة لأنه لو أراد الجمعة لما هم بالتخلف عنها وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال‏:‏ يا رسول الله‏,‏ ليس لي قائد يقودنى إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه‏,‏ فقال‏:‏ تسمع النداء بالصلاة‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأجب‏)‏ رواه مسلم وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا له فغيره أولى وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا‏:‏ وما العذر‏؟‏ قال‏:‏ خوف‏,‏ أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى‏)‏ أخرجه أبو داود وروى أبو الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ما من ثلاثة في قرية‏,‏ أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة‏,‏ فإن الذئب يأكل القاصية‏)‏ أخرجه أبو داود وحديثهم يدل على أن الجماعة غير مشترطة ولا نزاع بيننا فيه ولا يلزم من الوجوب الاشتراط‏,‏ كواجبات الحج والإحداد في العدة‏.‏

فصل

وليست الجماعة شرطا لصحة الصلاة نص عليه أحمد وخرج ابن عقيل وجها في اشتراطها قياسا على سائر واجبات الصلاة وهذا ليس بصحيح بدليل الحديثين اللذين احتجوا بهما والإجماع‏,‏ فإننا لا نعلم قائلا بوجوب الإعادة على من صلى وحده إلا أنه روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود‏,‏ وأبو موسى أنهم قالوا‏:‏ من سمع النداء وتخلف من غير عذر فلا صلاة له‏.‏

فصل

وتنعقد الجماعة باثنين فصاعدا لا نعلم فيه خلافا وقد روى أبو موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الاثنان فما فوقهما جماعة‏)‏ رواه ابن ماجه ‏(‏وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث وصاحبه‏:‏ إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما‏,‏ وليؤمكما أكبركما‏)‏ وأم النبي - صلى الله عليه وسلم- حذيفة مرة وابن مسعود مرة وابن عباس مرة ولو أم الرجل عبده أو زوجته أدرك فضيلة الجماعة‏,‏ وإن أم صبيا جاز في التطوع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أم فيه ابن عباس وهو صبي وإن أمه في الفرض فقال أحمد‏:‏ لا تنعقد به الجماعة لأنه لا يصلح أن يكون إماما لنقص حاله فأشبه من لا تصح صلاته وقال أبو الحسن الآمدي‏:‏ فيه رواية أخرى‏,‏ أنه يصح أن يكون إماما لأنه متنفل فجاز أن يكون مأموما بالمفترض كالبالغ‏,‏ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في الرجل الذي فاتته الجماعة‏:‏ ‏(‏من يتصدق على هذا فيصلى معه ‏)‏‏.‏

فصل

ويجوز فعلها في البيت والصحراء وقيل‏:‏ فيه رواية أخرى‏:‏ أن حضور المسجد واجب إذا كان قريبا منه لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد‏)‏ ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‏:‏ جعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا‏,‏ فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان‏)‏ متفق عليه وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما‏,‏ فأشار إليهم أن اجلسوا‏)‏ رواه البخاري وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لرجلين‏:‏ ‏(‏إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الجماعة فصليا معهم‏,‏ تكن لكما نافلة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ‏"‏ لا نعرفه إلا من قول على نفسه كذلك رواه سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ والظاهر أنه إنما أراد الجماعة وعبر بالمسجد عن الجماعة لأنه محلها‏,‏ ومعناه لا صلاة لجار المسجد إلا مع الجماعة وقيل‏:‏ أراد به الكمال والفضيلة فإن الأخبار الصحيحة دالة على أن الصلاة في غير المسجد صحيحة جائزة‏.‏

فصل

وفعل الصلاة فيما كثر فيه الجمع من المساجد أفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر‏,‏ فهو أحب إلى الله تعالى‏)‏ رواه أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏ فإن تساويا في الجماعة ففعلها في المسجد العتيق أفضل لأن العبادة فيه أكثر وإن كان في جواره أو غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلا بحضوره ففعلها فيه أولى لأنه يعمره بإقامة الجماعة فيه ويحصلها لمن يصلي فيه وإن كانت تقام فيه‏,‏ وكان في قصده غيره كسر قلب إمامه أو جماعته فجبر قلوبهم أولى وإن لم يكن كذلك فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ إحداهما قصد الأبعد لتكثر خطاه في طلب الثواب فتكثر حسناته والثانية الأقرب لأن له جوارا فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بهدية جاره ومعروفه من البعيد وإن كان البلد ثغرا‏,‏ فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد ليكون أعلى للكلمة وأوقع للهيبة وإذا جاءهم خبر عن عدوهم سمعه جميعهم‏,‏ وإن أرادوا التشاور في أمر حضر جميعهم وإن جاء عين الكفار رآهم فأخبر بكثرتهم قال الأوزاعي‏:‏ لو كان الأمر إلى لسمرت أبواب المساجد التي في الثغور أو نحو هذا ليجتمع الناس في مسجد واحد‏.‏

فصل

ولا يكره إعادة الجماعة في المسجد ومعناه أنه إذا صلى إمام الحي‏,‏ وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة وهو قول ابن مسعود‏,‏ وعطاء والحسن والنخعي‏,‏ وقتادة وإسحاق وقال سالم وأبو قلابة‏,‏ وأيوب وابن عون والليث‏,‏ والبتى والثوري ومالك‏,‏ وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي‏:‏ لا تعاد الجماعة في مسجد له إمام راتب‏,‏ في غير ممر الناس فمن فاتته الجماعة صلى منفردا لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب والعداوة والتهاون في الصلاة مع الإمام ولأنه مسجد له إمام راتب‏,‏ فكره فيه إعادة الجماعة كمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- ولنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة وفي رواية‏:‏ بسبع وعشرين درجة‏)‏ وروى أبو سعيد قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ أيكم يتجر على هذا‏؟‏ فقام رجل‏,‏ فصلى معه‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن ورواه الأثرم وأبو داود فقال‏:‏ ‏"‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه ‏"‏ وروى الأثرم‏,‏ بإسناده عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثله وزاد‏:‏ قال فلما صليا‏,‏ قال‏:‏ ‏"‏ وهذان جماعة ‏"‏ ولأنه قادر على الجماعة فاستحب له فعلها كما لو كان المسجد في ممر الناس‏.‏

فصل

فأما إعادة الجماعة في المسجد الحرام‏,‏ ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى فقد روى عن أحمد كراهة إعادة الجماعة فيها وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتهم الصلاة في الجماعة مع غيره وظاهر خبر أبي سعيد وأبي أمامة‏,‏ أن ذلك لا يكره لأن الظاهر أن هذا كان في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- والمعنى يقتضيه أيضا فإن فضيلة الجماعة تحصل فيها كحصولها في غيرها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى‏]

لا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه على غيرهما واختلف في أيهما يقدم على صاحبه‏؟‏ فمذهب أحمد‏,‏ -رحمه الله- تقديم القارئ وبهذا قال ابن سيرين والثوري‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وقال عطاء ومالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وأبو ثور‏:‏ يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدرى ما يفعل فيه إلا بالفقه‏,‏ فيكون أولى كالإمامة الكبرى والحكم ‏.‏

ولنا ما روى أوس بن ضمرة عن أبي مسعود‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة‏,‏ فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا‏)‏ أو قال‏:‏ ‏"‏ سلما ‏"‏ وروى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم‏)‏ رواهما مسلم وعن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة‏,‏ وكان أكثرهم قرآنا رواه البخاري وأبو داود وكان فيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد وفي حديث عمرو بن سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ليؤمكم أكثركم قرآنا‏)‏ ولأن القراءة ركن في الصلاة فكان القادر عليها أولى‏,‏ كالقادر على القيام مع العاجز عنه فإن قيل‏:‏ إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بتقديم القارئ لأن أصحابه كان أقرؤهم أفقههم فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه قال ابن مسعود كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها‏,‏ ونهيها وأحكامها قلنا‏:‏ اللفظ عام فيجب الأخذ بعمومه دون خصوص السبب ولا يخص ما لم يقم دليل على تخصيصه‏,‏ على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏فإن استووا فأعلمهم بالسنة‏)‏ ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ولو قدم القارئ لزيادة علم لما نقلهم عند التساوى فيه إلى الأعلم بالسنة‏,‏ ولو كان العلم بالفقه على قدر القراءة للزم من التساوى في القراءة التساوى فيه وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أقرؤكم أبي وأقضاكم علي‏,‏ وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضكم زيد بن ثابت‏)‏ فقد فضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة وفضل بالقراءة من هو مفضول بالقضاء والفرائض وعلم الحلال والحرام قيل لأبي عبد الله‏:‏ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ مروا أبا بكر يصلي بالناس ‏"‏ أهو خلاف حديث أبي مسعود‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ إنما قوله لأبي بكر - عندي - ‏"‏ يصلي بالناس ‏"‏ للخلافة يعنى أن الخليفة أحق بالإمامة وإن كان غيره أقرأ منه‏,‏ فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه‏.‏

فصل

ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ليؤمكم أكثركم قرآنا‏)‏ وإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أجود قراءة وإعرابا فهو أولى لأنه أقرأ فيدخل في عموم قوله‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ وإن كان أحدهما أكثر حفظا‏,‏ والآخر أقل لحنا وأجود قراءة فهو أولى لأنه أعظم أجرا في قراءته لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة‏)‏ رواه الترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن استووا فأفقههم‏]

وذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‏)‏ ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة للإتيان بواجباتها وسننها وجبرها إن عرض ما يحوج إليه فيها‏,‏ فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أقرأ والآخر أفقه‏,‏ قدم الأقرأ نص عليه للخبر وقال ابن عقيل‏:‏ الأفقه أولى لتميزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة وهذا يخالف عموم الخبر فلا يعول عليه وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة‏,‏ والآخر أعرف بما سواها فالأعلم بأحكام الصلاة أولى لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن استووا فأسنهم‏]

يعنى‏:‏ أكبرهم سنا‏,‏ يقدم عند استوائهم في القراءة والفقه وظاهر قول أحمد أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما لأنه ذهب إلى حديث أبي مسعود‏,‏ وهو مرتب هكذا قال الخطابي‏:‏ وعلى هذا الترتيب توجد أكثر أقاويل العلماء ومعنى تقدم الهجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام لأن الهجرة قربة وطاعة فيقدم السابق إليها لسبقه إلى الطاعة فإذا استويا فيها إما لهجرتهما معا‏,‏ أو عدمها منهما فأسنهم ‏(‏لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث وصاحبه‏:‏ ليؤمكما أكبركما‏)‏ متفق عليه ولأن الأسن أحق بالتوقير والتقديم وكذلك ‏(‏قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن سهل لما تكلم في أخيه‏:‏ كبر كبر‏)‏ أي دع الأكبر يتكلم وقال أبو عبد الله بن حامد أحقهم بعد القراءة والفقه أشرفهم‏,‏ ثم أقدمهم هجرة ثم أسنهم والصحيح الأخذ بما دل عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- في تقديم السابق بالهجرة‏,‏ ثم الأسن لتصريحه بالدلالة ولا دلالة في حديث مالك بن الحويرث على تقديم الأسن لأنه لم يثبت في حقهما هجرة ولا تفاضلهما في شرف ويرجح بتقديم الإسلام كالترجيح بتقديم الهجرة‏,‏ فإن في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود‏:‏ ‏(‏فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما‏)‏ ولأن الإسلام أشرف من الهجرة فإذا قدم بتقدمها فتقدمه أولى فإذا استووا في هذا كله قدم أشرفهم أي أعلاهم نسبا‏,‏ وأفضلهم في نفسه وأعلاهم قدرا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏قدموا قريشا ولا تقدموها ‏)‏‏.‏

فصل

فإن استووا في هذه الخصال قدم أتقاهم وأورعهم لأنه أشرف في الدين‏,‏ وأفضل وأقرب إلى الإجابة وقد جاء‏:‏ ‏"‏ إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال ‏"‏ ذكره الإمام أحمد في ‏"‏ رسالته ‏"‏ ويحمل تقديم هذا على الأشرف‏,‏ لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ فإذا استووا في هذا كله أقرع بينهم نص عليه أحمد -رحمه الله- وذلك لأن سعد بن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان‏,‏ فالإمامة أولى ولأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع‏,‏ فأقرع بينهم كسائر الحقوق وإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق به وكذلك إن رضي الجيران أحدهما دون الآخر قدم بذلك ولا يقدم بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة‏,‏ ولا أثر له فيها وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط‏,‏ ولا إيجاب لا نعلم فيه خلافا فلو قدم المفضول كان ذلك جائزا لأن الأمر بهذا أمر أدب واستحباب‏.‏

مسألة

قال : [ومن صلى خلف من يعلن ببدعة أو يسكر أعاد] .

الإعلان الإظهار وهو ضد الإسرار، فظاهر هذا أن من ائتم بمن يظهر بدعته ، ويتكلم بها ، ويدعو إليها ، أو يناظر عليها ، فعليه الإعادة . ومن لم يظهر بدعته ، فلا إعادة على المؤتم به ، وإن كان معتقدا لها . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف ؟ فقال : نعم ، آمره أن يعيد . قيل لأبي عبد الله : وهكذا أهل البدع كلهم ؟ قال : لا ، إن منهم من يسكت ، ومنهم من يقف ولا يتكلم . وقال : لا تصل خلف أحد من أهل الأهواء ، إذا كان داعية إلى هواه . وقال : لا تصل خلف المرجئ إذا كان داعية . وتخصيصه الداعية ، ومن يتكلم بالإعادة ، دون من يقف ولا يتكلم ، يدل على ما قلناه . وقال القاضي : المعلن بالبدعة من يعتقدها بدليل ، وغير المعلن من يعتقدها تقليدا . ولنا ، أن حقيقة الإعلان هو الإظهار ، وهو ضد الإخفاء والإسرار ، قال الله تعالى : { ويعلم ما تسرون وما تعلنون } وقال تعالى مخبرا عن إبراهيم : { ربنا إنك تعلم ما نحفي وما نعلن } ولأن المظهر لبدعته لا عذر للمصلي خلفه - لظهور حاله - ، والمخفي لها من يصلي خلفه معذور ، وهذا له أثر في صحة الصلاة ، ولهذا لم تجب الإعادة خلف المحدث والنجس إذا لم يعلم حالهما ؛ لخفاء ذلك ومنهما ووجبت على المصلي خلف الكافر والأمي ، لظهور حالهما غالبا . وقد روي عن أحمد ، أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال . قال ، في رواية أبي الحارث : لا يصلي خلف مرجئ ولا رافضي ، ولا فاسق ، إلا أن يخافهم فيصلي ، ثم يعيد . وقال أبو داود ، قال أحمد : متى ما صليت خلف من يقول : القرآن مخلوق فأعد . قلت : وتعرفه . قال : نعم . وعن مالك ، أنه لا يصلى خلف أهل البدع . فحصل من هذا أن من صلى خلف مبتدع معلن ببدعته ، فعليه الإعادة . ومن لم يعلنها ففي الإعادة خلفه روايتان . وأباح الحسن ، وأبو جعفر ، والشافعي الصلاة خلف أهل البدع ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صلوا خلف من قال : لا إله إلا الله) رواه الدارقطني . ولأنه رجل صلاته صحيحة ، فصح الائتمام به كغيره . وقال نافع : كان ابن عمر يصلي مع الخشبية والخوارج زمن ابن الزبير ، وهم يقتتلون . فقيل له : أتصلي مع هؤلاء ، ومع هؤلاء ، وبعضهم يقتل بعضا ؟ فقال : من قال : حي على الصلاة . أجبته ، ومن قال : حي على الفلاح . أجبته ، ومن قال : حي على قتل أخيك المسلم ، وأخذ ماله . قلت : لا . رواه سعيد . وقال ابن المنذر ، وبعض الشافعية : من نكفره ببدعته كالذي يكذب الله أو رسوله ببدعته ، لا يصلى خلفه ، ومن لا نكفره تصح الصلاة خلفه . ولنا : ما روى جابر ، قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول : (لا تؤمن امرأة رجلا ، ولا فاجر مؤمنا ، إلا أن يقهره بسلطان ، أو يخاف سوطه أو سيفه). رواه ابن ماجه ، وهذا أخص من حديثهم ، فتعين تقديمه ، وحديثهم نقول به في الجمع والأعياد ، وتعاد ، وهو مطلق ، فالعمل به في موضع يحصل الوفاء بدلالتهم ، وقياسهم منقوض بالخنثى والأمي . ويروى عن حبيب بن عمر الأنصاري ، عن أبيه ، قال : سألت واثلة بن الأسقع ، قلت : أصلي خلف القدري ؟ قال : لا تصل خلفه . ثم قال : أما أنا لو صليت خلفه لأعدت صلاتي . رواه الأثرم . وأما قول الخرقي : " أو يسكر " . فإنه يعني من يشرب ما يسكره من أي شراب كان ، فإنه لا يصلى خلفه لفسقه . وإنما خصه بالذكر ، فيما يرى من سائر الفساق ، لنص أحمد عليه . قال أبو داود : سألت أحمد وقيل له : إذا كان الإمام يسكر ؟ قال : لا تصل خلفه ألبتة . وسأله رجل ، قال : صليت خلف رجل ، ثم علمت أنه يسكر ، أعيد ؟ قال : نعم ، أعد . قال : أيتهما صلاتي ؟ قال : التي صليت وحدك . وسأله رجل . قال : رأيت رجلا سكران ، أصلي خلفه ؟ قال : لا . قال : فأصلي وحدي ؟ قال أين أنت ؟ في البادية ؟ المساجد كثيرة . قال : أنا في حانوتي . قال : تخطاه إلى غيره من المساجد . فأما من يشرب من النبيذ المختلف فيه ما لا يسكره ، معتقدا حله ، فلا بأس بالصلاة خلفه . نص عليه أحمد . فقال : يصلى خلف من يشرب المسكر على التأويل ، نحن نروي عنهم الحديث ، ولا نصلي خلف من يسكر . وكلام الخرقي بمفهومه يدل على ذلك ، لتخصيصه من سكر بالإعادة خلفه . وفي معنى شارب ما يسكر كل فاسق ، فلا يصلى خلفه . نص عليه أحمد . فقال : لا تصل خلف فاجر ولا فاسق . وقال أبو داود سمعت أحمد ، رحمه الله ، سئل عن إمام ، قال : أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما . قال : أسأل الله العافية ، من يصلي خلف هذا ؟ وروي عنه أنه قال : لا تصلوا خلف من لا يؤدي الزكاة ، وقال لا تصل خلف من يشارط ، ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط . وهذه النصوص تدل على أنه لا يصلى خلف فاسق . وعنه رواية أخرى ، أن الصلاة جائزة ، ذكرها أصحابنا . وهذا مذهب الشافعي ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) . وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، والحسين والحسن ، وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان . والذين كانوا في ولاية زياد وابنه كانوا يصلون معهما . وصلوا وراء الوليد بن عقبة ، وقد شرب الخمر وصلى الصبح أربعا ، وقال : أزيدكم . فصار هذا إجماعا ، وروي عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ قال : قلت . فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم فصل ، فإنها لك نافلة) . رواه مسلم . وفي لفظ : (فإن صليت لوقتها كانت نافلة ، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك) . وفي لفظ : (فإن أدركت الصلاة معهم فصل ، ولا تقل : إني قد صليت فلا أصلي) . وفي لفظ : " فإنها زيادة خير " . وهذا فعل يقتضي فسقهم ، وقد أمره بالصلاة معهم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) عام ، فيتناول محل النزاع ، ولأنه رجل تصح صلاته لنفسه ، فصح الائتمام به كالعدل . ووجه الأولى قوله عليه السلام : (لا يؤمن فاجر مؤمنا ، إلا أن يقهره بسلطانه أو سيفه) . ولأن الإمامة تتضمن حمل القراءة ، ولا يؤمن تركه لها ، ولا يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة ، وليس ثم أمارة ولا غلبة ظن يؤمنان ذلك . والحديث أجبنا عنه ، وفعل الصحابة محمول على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة معهم ، فقد روينا عن عطاء ، وسعيد بن جبير ، أنهما كانا في المسجد ، والحجاج يخطب ، فصليا بالإيماء ، وإنما فعلا ذلك لخوفهما على أنفسهما إن صليا على وجه يعلم بهما . ورويناه عن قسامة بن زهير . قال : لما كان من شأن فلان ما كان ، قال له أبو بكر : تنح عن مصلانا ، فإنا لا نصلي خلفك . وحديث أبي ذر : يدل على صحتها نافلة ، والنزاع في الفرض .

فصل

فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر . وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة ، وكذلك العلماء الذين في عصره . وقد روينا أن رجلا جاء محمد بن النضر ، فقال له : إن لي جيرانا من أهل الأهواء ، لا يشهدون الجمعة . قال حسبك ، ما تقول في من رد على أبي بكر وعمر ؟ قال : رجل سوء . قال : فإن رد على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يكفر . قال : فإن رد على العلي الأعلى ؟ ثم غشي عليه ، ثم أفاق ، فقال : ردوا عليه والذي لا إله إلا هو فإنه قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } وهو يعلم أن بني العباس سيلونها . ولأن هذه الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة ؛ وتليها الأئمة دون غيرهم ، فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية . إذا ثبت هذا فإنها تعاد خلف من يعاد خلفه غيرها . قال أحمد : أما الجمعة فينبغي شهودها ، فإن كان الذي يصلي منهم أعاد . وروي عنه أنه قال : من أعادها فهو مبتدع . وهذا يدل بعمومه على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع ؛ لأنها صلاة أمر بها ، فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات .

فصل

فإن كان المباشر لها عدلا ، والمولي له غير مرضي الحال لبدعته أو فسقه ، لم يعدها . نص عليه . وقيل له : إنهم يقولون إذا كان الذي وضعه يقول بقولهم فسدت الصلاة . قال : لست أقول بهذا . ولأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه ، فلا يضر وجود معنى في غيره ، كالحدث أو كونه أميا . وعنه : تعاد . والصحيح الأول .

فصل

وإن لم يعلم فسق إمامه ، ولا بدعته ، حتى صلى معه ، فإنه يعيد . نص عليه . وقال ابن عقيل : لا إعادة عليه ؛ لأن ذلك مما يخفى ، فأشبه المحدث والنجس . والصحيح أن هذا ينظر فيه ، فإن كان ممن يخفي بدعته وفسوقه ، صحت الصلاة خلفه ، لما ذكرنا في أول المسألة ، وإن كان ممن يظهر ذلك ، وجبت الإعادة خلفه ، على الرواية التي تقول بوجوب إعادتها خلف المبتدع ؛ ولأنه معنى يمنع الائتمام ، فاستوى فيه العلم وعدمه ، كما لو كان أميا ، والحدث والنجاسة يشترط خفاؤهما على الإمام والمأموم معا ، ولا يخفى على الفاسق فسق نفسه ، ولأن الإعادة إنما تجب خلف من يعلن ببدعته ، وليس ذلك في مظنة الخفاء ، بخلاف الحدث والنجاسة .

فصل

وإن لم يعلم حاله ولم يظهر منه ما يمنع الائتمام به ، فصلاة المأموم صحيحة نص عليه أحمد ؛ لأن الأصل في المسلمين السلامة . ولو صلى خلف من يشك في إسلامه ، فصلاته صحيحة ؛ لأن الظاهر أنه لا يتقدم للإمامة إلا مسلم .

فصل

فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة نص عليه أحمد لأن الصحابة والتابعين‏,‏ ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض مع اختلافهم في الفروع فكان ذلك إجماعا‏,‏ ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده فله أجران أجر لاجتهاده وأجر لإصابته أو مخطئا فله أجر على اجتهاده‏,‏ ولا إثم عليه في الخطأ لأنه محطوط عنه فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل صلى بقوم‏,‏ وعليه جلود الثعالب فقال‏:‏ إن كان يلبسه وهو يتأول‏:‏ ‏(‏أيما إهاب دبغ فقد طهر‏)‏ يصلي خلفه قيل له أفتراه أنت جائزا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ نحن لا نراه جائزا ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلي خلفه ثم قال أبو عبد الله‏:‏ لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم لم يصل خلفه‏؟‏ ثم قال‏:‏ نحن نرى الوضوء من الدم فلا نصلى خلف سعيد بن المسيب ومالك ومن سهل في الدم‏؟‏ أي‏:‏ بلى ورأيت لبعض أصحاب الشافعي مسألة مفردة في الرد على من أنكر هذا‏,‏ واستدل بأن الصحابة كان يصلي بعضهم خلف بعض مع الاختلاف ولأن كل مجتهد مصيب أو كالمصيب في حط المأثم عنه وحصول الثواب‏,‏ وصحة الصلاة لنفسه فجائز الائتمام به كما لو لم يترك شيئا وذكر القاضي فيه رواية أخرى‏,‏ أنه لا يصح ائتمامه به لأنه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة فلم يصح ائتمامه به كما لو خالفه في القبلة حال الاجتهاد فيها‏.‏

فصل

وإن فعل شيئا من المختلف فيه‏,‏ يعتقد تحريمه فإن كان يترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها فصلاته فاسدة‏,‏ وصلاة من يأتم به وإن كان المأموم يخالفه في اعتقاد ذلك لأنه ترك واجبا في الصلاة ففسدت صلاته وصلاة من ائتم به‏,‏ كالمجمع عليه وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة كالمتزوج بغير ولى ممن يرى فساده وشارب يسير النبيذ ممن يعتقد تحريمه‏,‏ فهذا إن دام على ذلك فهو فاسق حكمه حكم سائر الفساق‏,‏ فإن لم يدم عليه فلا بأس بالصلاة خلفه لأنه من الصغائر ومتى كان الفاعل كذلك عاميا قلد من يعتقد جوازه فلا شيء عليه لأن فرض العامى سؤال العلماء وتقليدهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‏}‏‏.‏

فصل

ولا تصح الصلاة خلف مجنون لأن صلاته لنفسه باطلة وإن كان يجن تارة‏,‏ ويفيق أخرى فصلى وراءه حال إفاقته صحت صلاته‏,‏ ويكره الائتمام به لئلا يكون قد احتلم حال جنونه ولم يعلم ولئلا يعرض الصلاة للإبطال في أثنائها لوجود الجنون فيها‏,‏ والصلاة صحيحة لأن الأصل السلامة فلا تفسد بالاحتمال‏.‏

فصل

وإذا أقيمت الصلاة والإنسان في المسجد‏,‏ والإمام ممن لا يصلح للإمامة فإن شاء صلى خلفه وأعاد وإن نوى الصلاة وحده‏,‏ ووافق الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود فصلاته صحيحة لأنه أتى بأفعال الصلاة وشروطها على الكمال فلا تفسد بموافقته غيره في الأفعال‏,‏ كما لو لم يقصد الموافقة وروي عن أحمد أنه يعيد قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ الرجل يكون في المسجد فتقام الصلاة ويكون الرجل الذي يصلي بهم لا يرى الصلاة خلفه‏,‏ ويكره الخروج من المسجد بعد النداء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- كيف يصنع‏؟‏ قال‏:‏ إن خرج كان في ذلك شنعة ولكن يصلي معه ويعيد‏,‏ وإن شاء أن يصلي بصلاته ويكون يصلي لنفسه ثم يكبر لنفسه ويركع لنفسه‏,‏ ويسجد لنفسه ولا يبالى أن يكون سجوده مع سجوده وتكبيره مع تكبيره قلت‏:‏ فإن فعل هذا لنفسه أيعيد‏؟‏ قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فكيف يعيد‏,‏ وقد جاء أن الصلاة هي الأولى وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اجعلوا صلاتكم معهم سبحة‏)‏ قال‏:‏ إنما ذاك إذا صلى وحده فنوى الفرض أما إذا صلى معه وهو ينوي أن لا يعتد بها فليس هذا مثل هذا فقد نص على الإعادة‏,‏ ولكن تعليله إفسادها بكونه نوى أن لا يعتد بها يدل على صحتها وإجزائها إذا نوى الاعتداد بها وهو الصحيح لما ذكرنا أولا‏,‏ وكذلك لو كان الذين لا يرضون الصلاة خلفه جماعة فأمهم أحدهم ووافقوا الإمام في الركوع والسجود كان جائزا والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإمامة العبد والأعمى جائزة‏]

هذا قول أكثر أهل العلم وروي عن عائشة رضي الله عنها أن غلاما لها كان يؤمها وصلى ابن مسعود‏,‏ وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد وممن أجاز ذلك‏:‏ الحسن‏,‏ والشعبي والنخعي والحكم‏,‏ والثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وكره أبو مجلز إمامة العبد وقال مالك‏:‏ لا يؤمهم إلا أن يكون قارئا وهم أميون ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى‏)‏ وقال أبو ذر‏:‏ ‏(‏إن خليلى أوصانى أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف‏,‏ وأن أصلى الصلاة لوقتها فإن أدركت القوم وقد صلوا كنت أحرزت صلاتك‏,‏ وإلا كانت لك نافلة‏)‏ رواه مسلم ولأنه إجماع الصحابة فعلت عائشة ذلك وروى أن أبا سعيد مولى أبي أسيد قال‏:‏ تزوجت وأنا عبد‏,‏ فدعوت نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأجابونى فكان فيهم أبو ذر وابن مسعود‏,‏ وحذيفة فحضرت الصلاة وهم في بيتى فتقدم أبو ذر ليصلى بهم‏,‏ فقالوا له وراءك‏؟‏ فالتفت إلى ابن مسعود فقال‏:‏ أكذلك يا أبا عبد الرحمن‏؟‏ قال‏:‏ نعم فقدمونى وأنا عبد‏,‏ فصليت بهم رواه صالح في ‏"‏ مسائله ‏"‏ بإسناده وهذه قصة مثلها ينتشر ولم ينكر ولا عرف مخالف لها‏,‏ فكان ذلك إجماعا ولأن الرق حق ثبت عليه فلم يمنع صحة إمامته كالدين‏,‏ ولأنه من أهل الأذان للرجال يأتي بالصلاة على الكمال فكان له أن يؤمهم كالحر وأما الأعمى فلا نعلم في صحة إمامته خلافا إلا ما حكى عن أنس أنه قال‏:‏ ما حاجتهم إليه وعن ابن عباس‏:‏ أنه قال‏:‏ كيف أؤمهم وهم يعدلوننى إلى القبلة والصحيح عن ابن عباس أنه كان يؤم وهو أعمى‏,‏ وعتبان بن مالك وقتادة وجابر وقال أنس‏:‏ ‏(‏إن النبي - صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى‏)‏ رواه أبو داود وعن الشعبي أنه قال‏:‏ ‏(‏غزا النبي - صلى الله عليه وسلم- ثلاث عشرة غزوة‏,‏ كل ذلك يقدم ابن أم مكتوم يصلي بالناس‏)‏ رواه أبو بكر ولأن العمى فقد حاسة لا يخل بشيء من أفعال الصلاة ولا بشروطها فأشبه فقد الشم فإذا ثبت هذا فالحر أولى من العبد لأنه أكمل منه وأشرف‏,‏ ويصلى الجمعة والعيد إماما بخلاف العبد وقال أبو الخطاب‏:‏ والبصير أولى من الأعمى لأنه يستقبل القبلة بعلمه ويتوقى النجاسات ببصره وقال القاضي‏:‏ هما سواء لأن الأعمى أخشع لأنه لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه‏,‏ فيكون ذلك في مقابلة فضيلة البصير عليه فيتساويان والأول أصح لأن البصير لو أغمض عينيه كان مكروها ولو كان ذلك فضيلة لكان مستحبا‏,‏ لأنه يحصل بتغميضه ما يحصله الأعمى ولأن البصير إذا غض بصره مع إمكان النظر كان له الأجر فيه لأنه يترك المكروه مع إمكانه اختيارا‏,‏ والأعمى يتركه اضطرارا فكان أدنى حالا وأقل فضيلة‏.‏

فصل

ولا تصح إمامة الأخرس بمثله ولا غيره‏,‏ لأنه يترك ركنا وهو القراءة تركا مأيوسا من زواله‏,‏ فلم تصح إمامته كالعاجز عن الركوع والسجود‏.‏

فصل

وتصح إمامة الأصم لأنه لا يخل بشيء من أفعال الصلاة ولا شروطها‏,‏ فأشبه الأعمى فإن كان أصم أعمى صحت إمامته لذلك وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا تصح إمامته لأنه إذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا إشارة والأولى صحتها فإنه لا يمنع من صحة الصلاة احتمال عارض لا يتيقن وجوده كالمجنون حال إفاقته‏.‏

فصل

فأما أقطع اليدين فقال أحمد - رحمه الله - : لم أسمع فيه شيئا . وذكر الآمدي فيه روايتين ؛ إحداهما : تصح إمامته . اختارها القاضي ؛ لأنه عجز لا يخل بركن في الصلاة . فلم يمنع صحة إمامته ، كأقطع أحد الرجلين والأنف . والثانية : لا تصح . اختارها أبو بكر ؛ لأنه يخل بالسجود على بعض أعضاء السجود ، أشبه العاجز عن السجود على جبهته . وحكم أقطع اليد الواحدة كالحكم في قطعهما جميعا ، وأما أقطع الرجلين فلا يصح الائتمام به ؛ لأنه مأيوس من قيامه ، فلم تصح إمامته كالزمن . وإن كان مقطوع إحدى الرجلين ، ويمكنه القيام ، صحت إمامته . ويتخرج على قول أبي بكر أن لا تصح إمامته ؛ لإخلاله بالسجود على عضو . والأول أصح لأنه يسجد على الباقي من رجله أو حائلها .

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن ‏أم أمى أميا وقارئا ‏أعاد القارئ وحده‏]

الأمى من لا يحسن الفاتحة أو بعضها‏,‏ أو يخل بحرف منها وإن كان يحسن غيرها فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به‏,‏ ويصح لمثله أن يأتم به ولذلك خص الخرقي القارئ بالإعادة فيما إذا أم أميا وقارئا وقال القاضي‏:‏ هذه المسألة محمولة على أن القارئ مع جماعة أميين حتى إذا فسدت صلاة القارئ بقي خلف الإمام اثنان فصاعدا فإن كان معه أمى واحد وكانا خلف الإمام أعادا جميعا لأن الأمى صار فذا والظاهر أن الخرقي إنما قصد بيان من تفسد صلاته بالائتمام بالأمي‏,‏ وهذا يخص القارئ دون الأمى ويجوز أن تصح صلاة الأمى لكونه عن يمين الإمام أو كونهما جميعا عن يمينه‏,‏ أو معهم أمى آخر وإن فسدت صلاته لكونه فذا فما فسدت لائتمامه بمثله‏,‏ إنما فسدت لمعنى آخر وبهذا قال مالك والشافعي في الجديد وقيل عنه‏:‏ يصح أن يأتم القارئ بالأمى في صلاة الإسرار دون صلاة الجهر وقيل عنه‏:‏ يجوز أن يأتم به في الحالين لأنه عجز عن ركن فجاز للقادر عليه الائتمام به‏,‏ كالقاعد بالقائم وقال أبو حنيفة‏:‏ تفسد صلاة الإمام أيضا لأنه لما أحرم معه القارئ لزمته القراءة عنه لكون الإمام يتحمل القراءة عن المأموم فعجز عنها‏,‏ ففسدت صلاته ولنا على الأول أنه ائتم بعاجز عن ركن سوى القيام يقدر عليه المأموم فلم تصح‏,‏ كالمؤتم بالعاجز عن الركوع والسجود ولأن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم وهذا عاجز عن التحمل للقراءة الواجبة على المأموم‏,‏ فلم يصح له الائتمام به لئلا يفضي إلى أن يصلي بغير قراءة وقياسهم يبطل بالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود والقيام‏,‏ ولا مدخل للتحمل فيه بخلاف القراءة ولنا على صحة صلاة الإمام أنه أم من لا يصح له الائتمام به‏,‏ فلم تبطل صلاته كما لو أمت امرأة رجلا ونساء وقولهم‏:‏ إنه يلزم القراءة عن القارئ لا يصح لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏}‏ ومن لا تجب عليه القراءة عن نفسه فعن غيره أولى وإن أم الأمى قارئا واحدا‏,‏ لم تصح صلاة واحد منهما لأن الأمى نوى الإمامة وقد صار فذا‏.‏

فصل

وإن صلى القارئ خلف من لا يعلم حاله في صلاة الإسرار صحت صلاته لأن الظاهر أنه لا يتقدم إلا من يحسن القراءة ولم يتخرم الظاهر فإنه أسر في موضع الإسرار‏,‏ وإن كان يسر في صلاة الجهر ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا تصح صلاة القارئ ذكره القاضي لأن الظاهر أنه لو أحسن القراءة لجهر والثاني‏:‏ تصح لأن الظاهر أنه لا يؤم الناس إلا من يحسن القراءة‏,‏ وإسراره يحتمل أن يكون نسيانا أو لجهله أو لأنه لا يحسن أكثر من الفاتحة‏,‏ فلا تبطل الصلاة بالاحتمال فإن قال‏:‏ قد قرأت في الإسرار صحت الصلاة على الوجهين لأن الظاهر صدقه ويستحب الإعادة احترازا من أن يكون كاذبا ولو أسر في صلاة الإسرار ثم قال‏:‏ ما كنت قرأت الفاتحة لزمه ومن وراءه الإعادة‏,‏ وقد روي عن عمر رضي الله عنه عنه أنه صلى بهم المغرب فلما سلم قال‏:‏ أما سمعتمونى قرأت‏؟‏ قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فما قرأت في نفسى فأعاد بهم الصلاة‏.‏

فصل

ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة لعجزه عنه‏,‏ أو أبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا والأرت الذي يدغم حرفا في حرف‏,‏ أو يلحن لحنا يحيل المعنى كالذي يكسر الكاف من إياك أو يضم التاء من أنعمت‏,‏ ولا يقدر على إصلاحه فهو كالأمى لا يصح أن يأتم به قارئ ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله لأنهما أميان‏,‏ فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر كاللذين لا يحسنان شيئا وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل لم تصح صلاته‏,‏ ولا صلاة من يأتم به‏.‏

فصل

إذا كان رجلان لا يحسن واحد منهما الفاتحة وأحدهما يحسن سبع آيات من غيرها والآخر لا يحسن شيئا من ذلك‏,‏ فهما أميان لكل واحد منهما الائتمام بالآخر والمستحب أن يؤم الذي يحسن الآيات لأنه أقرأ‏,‏ وعلى هذا كل من لا يحسن الفاتحة يجوز أن يؤم من لا يحسنها سواء استويا في الجهل أو كانا متفاوتين فيه‏.‏

فصل

تكره إمامة اللحان‏,‏ الذي لا يحيل المعنى نص عليه أحمد وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض القراءة فإن أحال المعنى في غير الفاتحة‏,‏ لم يمنع صحة الصلاة ولا الائتمام به إلا أن يتعمده‏,‏ فتبطل صلاتهما‏.‏

فصل

ومن لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف فقال القاضي‏:‏ تكره إمامته‏,‏ وتصح أعجميا كان أو عربيا وقيل في من قرأ ‏{‏ولا الضالين‏}‏ بالظاء‏:‏ لا تصح صلاته لأنه يحيل المعنى يقال‏:‏ ظل يفعل كذا‏:‏ إذا فعله نهارا‏,‏ فحكمه حكم الألثغ وتكره إمامة التمتام - وهو من يكرر التاء - والفأفاء وهو من يكرر الفاء وتصح الصلاة خلفهما لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال‏,‏ ويزيدان زيادة هما مغلوبان عليها فعفي عنها ويكره تقديمهما لهذه الزيادة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن صلى خلف مشرك أو امرأة أو خنثى مشكل‏ أعاد الصلاة‏]

وجملته أن الكافر لا تصح الصلاة خلفه بحال سواء علم بكفره بعد فراغه من الصلاة أو قبل ذلك وعلى من صلى وراءه الإعادة وبهذا قال الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقال أبو ثور والمزني‏:‏ لا إعادة على من صلى خلفه‏,‏ وهو لا يعلم لأنه ائتم بمن لا يعلم حاله فأشبه ما لو ائتم بمحدث ولنا أنه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة‏,‏ فلم تصح صلاته كما لو ائتم بمجنون وأما المحدث فيشترط أن لا يعلم حدث نفسه‏,‏ والكافر يعلم حال نفسه وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء‏,‏ وقال أبو ثور‏:‏ لا إعادة على من صلى خلفها وهو قياس قول المزنى وقال بعض أصحابنا‏:‏ يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها‏)‏ رواه أبو داود وهذا عام في الرجال والنساء ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تؤمن امرأة رجلا‏)‏ ولأنها لا تؤذن للرجال‏,‏ فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب قبولها‏,‏ ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذنا والأذان إنما يشرع في الفرائض‏,‏ ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض ولأن تخصيص ذلك بالتراويح واشتراط تأخرها تحكم يخالف الأصول بغير دليل فلا يجوز المصير إليه‏,‏ ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة لكان خاصا بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة‏,‏ فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة وأما الخنثى فلا يجوز أن يؤم رجلا لأنه يحتمل أن يكون امرأة ولا يؤم خنثى مثله لأنه يجوز أن يكون الإمام امرأة والمأموم رجلا ولا يجوز أن تؤمه امرأة لاحتمال أن يكون رجلا قال القاضي‏:‏ رأيت لأبي حفص البرمكى أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة لأنه إن قام مع الرجال احتمل أن يكون امرأة وإن قام مع النساء أو وحده أو ائتم بامرأة احتمل أن يكون رجلا‏,‏ وإن أم الرجال احتمل أن يكون امرأة وإن أم النساء فقام وسطهن احتمل أنه رجل وإن قام بين أيديهن احتمل أنه امرأة ويحتمل أن تصح صلاته في هذه الصورة‏,‏ وفي صورة أخرى وهو أن يقوم في صف الرجال مأموما فإن المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها‏.‏

فصل

يكره أن يؤم الرجل نساء أجانب لا رجل معهن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية ولا بأس أن يؤم ذوات محارمه‏,‏ وأن يؤم النساء مع الرجال فإن النساء كن يصلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في المسجد وقد أم النبي - صلى الله عليه وسلم- نساء‏,‏ وقد أم النبي - صلى الله عليه وسلم- أنسا وأمه في بيتهم‏.‏

فصل

إذا صلى خلف من شك في إسلامه أو كونه خنثى فصلاته صحيحة‏,‏ ما لم يبن كفره وكونه خنثى مشكلا لأن الظاهر من المصلين الإسلام سيما إذا كان إماما‏,‏ والظاهر السلامة من كونه خنثى سيما من يؤم الرجال فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرا أو خنثى مشكلا‏,‏ فعليه الإعادة على ما بينا وإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم على أي دين هو‏,‏ فإن صلى خلفه وهو لم يعلم ما هو عليه نظرنا فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته‏,‏ فهو مسلم وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح صلاته فإن كان علم إسلامه‏,‏ فصلى خلفه فقال بعد الصلاة‏:‏ ما كنت أسلمت أو ارتددت لم تبطل الصلاة لأن صلاته كانت صحيحة حكما فلا يقبل قول هذا في إبطالها لأنه ممن لا يقبل قوله وإذا صلى خلف من علم ردته‏,‏ فقال بعد الصلاة‏:‏ قد كنت أسلمت قبل قوله لأنه ممن يقبل قوله.

فصل

قال أصحابنا‏:‏ يحكم بإسلامه بالصلاة سواء كان في دار الحرب أو في دار الإسلام وسواء صلى جماعة أو فرادى‏,‏ فإن أقام بعد ذلك على الإسلام فلا كلام وإن لم يقم عليه فهو مرتد يجرى عليه أحكام المرتدين وإن مات قبل ظهور ما ينافى الإسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكافرين وقال أبو حنيفة‏:‏ إن صلى جماعة أو منفردا في المسجد‏,‏ كقولنا وإن صلى فرادى في غير المسجد لم يحكم بإسلامه وقال بعض الشافعية‏:‏ لا يحكم بإسلامه بحال لأن الصلاة من فروع الإسلام‏,‏ فلم يصر مسلما بفعلها كالحج والصيام ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏,‏ فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏ وقال بعضهم‏:‏ إن صلى في دار الإسلام فليس بمسلم لأنه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه‏,‏ وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم لأنه لا تهمة في حقه ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏نهيت عن قتل المصلين‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏بيننا وبينهم الصلاة‏)‏ فجعل الصلاة حدا بين الإسلام والكفر فمن صلى فقد دخل في حد الإسلام وقال في المملوك‏:‏ ‏(‏فإذا صلى فهو أخوك‏)‏ ولأنها عبادة تختص بالمسلمين‏,‏ فالإتيان بها إسلام كالشهادتين وأما الحج فإن الكفار كانوا يفعلونه والصيام إمساك عن المفطرات‏,‏ وقد يفعله من ليس بصائم‏.‏

فصل

فأما صلاته في نفسه فأمر بينه وبين الله تعالى فإن علم أنه كان قد أسلم‏,‏ ثم توضأ وصلى بنية صحيحة فصلاته صحيحة وإن لم يكن كذلك‏,‏ فعليه الإعادة لأن الوضوء لا يصح من كافر وإذا لم يسلم قبل الصلاة‏,‏ كان حال شروعه فيها غير مسلم ولا متطهر فلم يصح منه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطا‏]

اختلفت الرواية‏ هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة‏؟‏ فروى أن ذلك مستحب وممن روى عنه أن المرأة تؤم النساء عائشة وأم سلمة‏,‏ وعطاء والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور وروي عن أحمد‏,‏ -رحمه الله- أن ذلك غير مستحب وكرهه أصحاب الرأي وإن فعلت أجزأهن وقال الشعبي‏,‏ والنخعي وقتادة‏:‏ لهن ذلك في التطوع دون المكتوبة وقال الحسن وسليمان بن يسار‏:‏ لا تؤم في فريضة ولا نافلة وقال مالك‏:‏ لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدا‏,‏ لأنه يكره لها الأذان وهو دعاء إلى الجماعة فكره لها ما يراد الأذان له ولنا حديث أم ورقة ولأنهن من أهل الفرض‏,‏ فأشبهن الرجال وإنما كره لهن الأذان لما فيه من رفع الصوت ولسن من أهله إذا ثبت هذا‏,‏ فإنها إذا صلت بهن قامت في وسطهن لا نعلم فيه خلافا بين من رأى لها أن تؤمهن ولأن المرأة يستحب لها التستر‏,‏ ولذلك لا يستحب لها التجافى وكونها في وسط الصف أستر لها لأنها تستتر بهن من جانبيها فاستحب لها ذلك كالعريان‏,‏ فإن صلت بين أيديهن احتمل أن يصح لأنه موقف في الجملة ولهذا كان موقفا للرجل واحتمل أن لا يصح لأنها خالفت موقفها‏,‏ أشبه ما لو خالف الرجل موقفه‏.‏

فصل

وتجهر في صلاة الجهر وإن كان ثم رجال لا تجهر إلا أن يكونوا من محارمها‏,‏ فلا بأس.

فصل

ويباح لهن حضور الجماعة مع الرجال لأن النساء كن يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة‏:‏ ‏(‏كان النساء يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس‏)‏ متفق عليه وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات يعنى غير متطيبات‏)‏ رواه أبو داود وصلاتها في بيتها خير لها وأفضل لما روى ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن‏)‏ رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام ‏(‏صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل

إذا أمت المرأة امرأة واحدة‏,‏ قامت المرأة عن يمينها كالمأموم مع الرجال وإن صلت خلف رجل قامت خلفه‏,‏ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أخروهن من حيث أخرهن الله‏)‏ وإن كان معهما رجل قام عن يمين الإمام والمرأة خلفهما كما روى ‏(‏أنس‏:‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلى به وبأمه أو خالته فأقامنى عن يمينه‏,‏ وأقام المرأة خلفنا‏)‏ رواه مسلم وإن كان مع الإمام رجل وصبى وامرأة وكانوا في تطوع قاما خلف الإمام والمرأة خلفهما كما روى أنس ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلى بهم‏,‏ قال‏:‏ فصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتين‏,‏ ثم انصرف‏)‏ متفق عليه وإن كانت فرضا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره كما فعل عبد الله بن مسعود بعلقمة والأسود ورواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه فعل ذلك رواه أبو داود وإن وقفا جميعا عن يمينه فلا بأس‏,‏ وإن وقفا وراءه فروى الأثرم أن أحمد توقف في هذه المسألة وقال‏:‏ ما أدرى فذكر له حديث أنس فقال‏:‏ ذاك في التطوع واختلف أصحابنا فيه فقال بعضهم‏:‏ لا يصح لأن الصبى لا يصلح إماما للرجال في الفرائض فلم يصافهم كالمرأة وقال ابن عقيل‏:‏ يصح لأنه يصح أن يصاف الرجل في النفل فصح في الفرض‏,‏ كالمتنفل يقف مع المفترض ولا يشترط في صحة مصافته صحة إمامته بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة‏,‏ والمفترض مع المتنفل ويفارق المرأة لأنه يصح أن يصاف الرجال في التطوع ويؤمهم فيه في رواية بخلاف المرأة وقال الحسن في ثلاثة أحدهم امرأة‏:‏ يقومون متواترين‏,‏ بعضهم خلف بعض ولنا حديث أنس وهو قول أكثر أهل العلم‏,‏ لا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحسن واتباع السنة أولى‏,‏ وقول الحسن يفضي إلى وقوف الرجل وحده فذا ويرده حديث وابصة وعلى بن شيبان وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان‏,‏ ثم الخناثى ثم النساء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏صلى فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل

وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره‏,‏ ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر‏:‏ تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها وهذا قول أبي حنيفة لأنه منهى عن الوقوف إلى جانبها أشبه ما لو وقف بين يدي الإمام ولنا‏,‏ أنها لو وقفت في غير صلاة لم تبطل صلاته فكذلك في الصلاة وقد ثبت أن عائشة كانت تعترض بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نائمة وهو يصلي وقولهم‏:‏ إنه منهى قلنا‏:‏ هي المنهية عن الوقوف مع الرجال‏,‏ ولم تفسد صلاتها فصلاة من يليها أولى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وصاحب البيت أحق بالإمامة إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان‏]

وجملته أن الجماعة إذا أقيمت في بيت فصاحبه أولى بالإمامة من غيره‏,‏ وإن كان فيه من هو أقرأ منه وأفقه إذا كان ممن يمكنه إمامتهم وتصح صلاتهم وراءه‏,‏ فعل ذلك ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة‏,‏ وقد ذكرنا حديثهم وبه قال عطاء والشافعي ولا نعلم فيه خلافا‏,‏ والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ولا يؤمن الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه‏)‏ رواه مسلم وغيره وروى مالك بن الحويرث‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم‏)‏ رواه أبو داود وإن كان في البيت ذو سلطان فهو أحق من صاحب البيت لأن ولايته على البيت وعلى صاحبه وغيره وقد أم النبي - صلى الله عليه وسلم- عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما‏.‏

فصل

وإمام المسجد الراتب أولى من غيره لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضا له‏,‏ وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم‏,‏ فأبى وقال‏:‏ صاحب المسجد أحق ولأنه داخل في قوله‏:‏ ‏(‏من زار قوما فلا يؤمهم ‏)‏‏.‏

فصل

وإذا أذن المستحق من هؤلاء لرجل في الإمامة جاز وصار بمنزلة من أذن في استحقاق التقدم‏,‏ لقول النبي‏:‏ - صلى الله عليه وسلم- ‏"‏ إلا بإذنه ‏"‏ ولأن الإمامة حق له فله نقلها إلى من شاء قال أحمد‏:‏ قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه‏)‏ أرجو أن يكون الإذن في الكل‏,‏ ولم ير بأسا إذا أذن له أن يصلى‏.‏

فصل

وإن دخل السلطان بلدا له فيه خليفة فهو أحق من خليفته لأن ولايته على خليفته وغيره ولو اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه المالك على الحقيقة‏,‏ وولايته على العبد وإن لم يكن سيده معهم فالعبد أولى لأنه صاحب البيت ولذلك لما اجتمع ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر في بيت أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد‏,‏ تقدم أبو ذر ليصلى بهم فقالوا له‏:‏ وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال‏:‏ أكذلك‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم فتأخر‏,‏ وقدموا أبا سعيد فصلى بهم وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار المؤجرة فالمستأجر أولى لأنه أحق بالسكنى والمنفعة‏.‏

فصل

والمقيم أولى من المسافر لأنه إذا كان إماما حصلت له الصلاة كلها في جماعة‏,‏ وإن أمه المسافر احتاج إلى إتمام الصلاة منفردا وإن ائتم بالمسافر جاز ويتم الصلاة بعد سلام إمامه فإن أتم المسافر الصلاة جازت صلاتهم وحكي عن أحمد في صلاة المقيمين رواية أخرى أنها لا تجوز لأن الزيادة نفل أم بها مفترضين والصحيح الأول لأن المسافر إذا نوى إتمام الصلاة أو لم ينو القصر لزمه الإتمام‏,‏ فيصير الجميع فرضا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويأتم بالإمام من في أعلى المسجد وغير المسجد إذا اتصلت الصفوف‏]

وجملته أنه يجوز أن يكون المأموم مساويا للإمام أو أعلى منه كالذي على سطح المسجد أو على دكة عالية‏,‏ أو رف فيه روى عن أبي هريرة أنه صلى بصلاة الإمام على سطح المسجد وفعله سالم وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك يعيد الجمعة إذا صلى فوق سطح المسجد بصلاة الإمام ولنا أنهما في المسجد‏,‏ ولم يعل الإمام فصح أن يأتم به كالمتساويين ولا يعتبر اتصال الصفوف إذا كانا جميعا في المسجد قال الآمدي‏:‏ لا خلاف في المذهب أنه إذا كان في أقصى المسجد‏,‏ وليس بينه وبين الإمام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة أنه يصح اقتداؤه به وإن لم تتصل الصفوف وهذا مذهب الشافعي وذلك لأن المسجد بنى للجماعة‏,‏ فكل من حصل فيه فقد حصل في محل الجماعة وإن كان المأموم في غير المسجد أو كانا جميعا في غير مسجد صح أن يأتم به سواء كان مساويا للإمام أو أعلى منه‏,‏ كثيرا كان العلو أو قليلا بشرط كون الصفوف متصلة ويشاهد من وراء الإمام وسواء كان المأموم في رحبة الجامع‏,‏ أو دار أو على سطح والإمام على سطح آخر أو كانا في صحراء‏,‏ أو في سفينتين وهذا مذهب الشافعي إلا أنه يشترط أن لا يكون بينهما ما يمنع الاستطراق في أحد القولين ولنا أن هذا لا تأثير له في المنع من الاقتداء بالإمام‏,‏ ولم يرد فيه نهى ولا هو في معنى ذلك فلم يمنع صحة الائتمام به‏,‏ كالفصل اليسير إذا ثبت هذا فإن معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به ولا يمنع إمكان الاقتداء وحكي عن الشافعي أنه حد الاتصال بما دون ثلاث مائة ذراع والتحديدات بابها التوقيف‏,‏ والمرجع فيها إلى النصوص والإجماع ولا نعلم في هذا نصا نرجع إليه ولا إجماعا نعتمد عليه فوجب الرجوع فيه إلى العرف‏,‏ كالتفرق والإحراز والله أعلم‏.‏

فصل

فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه‏,‏ فقال ابن حامد‏:‏ فيه روايتان إحداهما لا يصح الائتمام به اختاره القاضي لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها‏:‏ لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب ولأنه يمكنه الاقتداء به في الغالب والثانية‏:‏ يصح قال أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة‏:‏ أرجو أن لا يكون به بأس وسئل عن رجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الإمام سترة قال‏:‏ إذا لم يقدر على غير ذلك وقال في المنبر إذا قطع الصف‏:‏ لا يضر ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام‏,‏ فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام‏,‏ والعلم يحصل بسماع التكبير فجرى مجرى الرؤية ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره‏,‏ واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد ولا يصح في غيره لأن المسجد محل الجماعة وفي مظنة القرب‏,‏ ولا يصح في غيره لعدم هذا المعنى ولخبر عائشة ولنا أن المعنى المجوز أو المانع قد استويا فيه‏,‏ فوجب استواؤهما في الحكم ولا بد لمن لا يشاهد أن يسمع التكبير ليمكنه الاقتداء‏,‏ فإن لم يسمع لم يصح ائتمامه به بحال لأنه لا يمكنه الاقتداء به.

فصل

وكل موضع اعتبرنا المشاهدة‏,‏ فإنه يكفيه مشاهدة من وراء الإمام سواء شاهده من باب أمامه أو عن يمينه أو عن يساره أو شاهده طرف الصف الذي وراءه‏,‏ فإن ذلك يمكنه الاقتداء به وإن كانت المشاهدة تحصل في بعض أحوال الصلاة فالظاهر صحة الصلاة لما روي عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل‏,‏ وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقام أناس يصلون بصلاته‏,‏ وأصبحوا يتحدثون بذلك فقام الليلة الثانية فقام معه أناس يصلون بصلاته‏)‏ رواه البخاري والظاهر أنهم كانوا يرونه في حال قيامه‏.‏

فصل

وإذا كان بينهما طريق أو نهر تجرى فيه السفن‏,‏ أو كانا في سفينتين مفترقتين ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا يصح أن يأتم به‏,‏ وهو اختيار أصحابنا ومذهب أبي حنيفة لأن الطريق ليست محلا للصلاة فأشبه ما يمنع الاتصال والثاني‏:‏ يصح‏,‏ وهو الصحيح عندي ومذهب مالك والشافعي لأنه لا نص في منع ذلك ولا إجماع ولا هو في معنى ذلك‏,‏ لأنه لا يمنع الاقتداء فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت وليس هذا بواحد منهما‏,‏ وقولهم‏:‏ إن بينهما ما ليس بمحل للصلاة فأشبه ما يمنع وإن سلمنا ذلك في الطريق فلا يصح في النهر فإنه تصح الصلاة عليه في السفينة‏,‏ وإذا كان جامدا ثم كونه ليس بمحل للصلاة إنما يمنع الصلاة فيه أما المنع من الاقتداء بالإمام فتحكم محض‏ لا يلزم المصير إليه ولا العمل به ولو كانت صلاة جنازة أو جمعة أو عيد‏,‏ لم يؤثر ذلك فيها لأنها تصح في الطريق وقد صلى أنس في موت حميد بن عبد الرحمن بصلاة الإمام وبينهما طريق‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا يكون الإمام أعلى من المأموم‏]

المشهور في المذهب أنه يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين‏,‏ سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد وهو قول مالك والأوزاعي‏,‏ وأصحاب الرأي وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره فإن على بن المدينى قال‏:‏ سألنى أحمد عن حديث سهل بن سعد وقال‏:‏ إنما أردت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أعلى من الناس فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث وقال الشافعي‏:‏ أختار للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع فيراه من خلفه‏,‏ فيقتدون به لما روى سهل بن سعد قال‏:‏ ‏(‏لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قام عليه - يعنى المنبر - فكبر وكبر الناس وراءه‏,‏ ثم ركع وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته‏,‏ ثم أقبل على الناس فقال‏:‏ أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتي‏)‏ متفق عليه ولنا‏,‏ ما روى أن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان‏,‏ والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته‏,‏ قال له حذيفة‏:‏ ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم ‏)‏‏؟‏ قال عمار‏:‏ فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي وعن همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان‏,‏ فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه فلما فرغ من صلاته‏,‏ قال‏:‏ ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك‏؟‏ قال‏:‏ بلى فذكرت حين مددتنى رواهما أبو داود وعن ابن مسعود أن رجلا تقدم يؤم بقوم على مكان‏,‏ فقام على دكان فنهاه ابن مسعود وقال للإمام‏:‏ استو مع أصحابك ولأنه يحتاج أن يقتدى بإمامه‏,‏ فينظر ركوعه وسجوده فإذا كان أعلى منه احتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده وذلك منهى عنه في الصلاة فأما حديث سهل‏,‏ فالظاهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان على الدرجة السفلى لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعا يسيرا‏,‏ فلا بأس به جمعا بين الأخبار ويحتمل أن يختص ذلك بالنبى - صلى الله عليه وسلم- لأنه فعل شيئا ونهى عنه‏,‏ فيكون فعله له ونهيه لغيره ولذلك لا يستحب مثله لغير النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأن النبي لم يتم الصلاة على المنبر فإن سجوده وجلوسه إنما كان على الأرض‏,‏ بخلاف ما اختلفنا فيه‏.‏

فصل

ولا بأس بالعلو اليسير لحديث سهل ولأن النهى معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة وهذا يخص الكثير‏,‏ فعلى هذا يكون اليسير مثل درجة المنبر ونحوها لما ذكرنا في حديث سهل والله أعلم‏.‏

فصل

فإن صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين‏,‏ فقال ابن حامد‏:‏ لا تصح صلاتهم وهو قول الأوزاعي لأن النهى يقتضي فساد المنهي عنه وقال القاضي‏:‏ لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي لأن عمارا أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها ولأن النهى معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة‏,‏ وذلك لا يفسدها فسببه أولى‏.‏

فصل

وإن كان مع الإمام من هو مساو له أو أعلى منه ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه‏,‏ لأن المعنى وجد فيهم دون غيرهم ويحتمل أن يتناول النهى الإمام لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن صلى خلف الصف وحده أو قام بجنب الإمام عن يساره أعاد الصلاة‏]

وجملته أن من صلى وحده ركعة كاملة لم تصح صلاته وهذا قول النخعي‏ والحكم والحسن بن صالح وإسحاق‏,‏ وابن المنذر وأجازه الحسن ومالك والأوزاعي‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي لأن أبا بكرة ركع دون الصف فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم- بالإعادة‏,‏ ولأنه موقف للمرأة فكان موقفا للرجل كما لو كان مع جماعة ‏.‏

ولنا ما روى وابصة بن معبد‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد‏)‏ رواه أبو داود وغيره وقال أحمد‏:‏ حديث وابصة حسن وقال ابن المنذر‏:‏ ثبت الحديث أحمد وإسحاق وفي لفظ‏:‏ ‏(‏سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن رجل صلى وراء الصفوف وحده قال‏:‏ يعيد‏)‏ رواه تمام في ‏"‏ الفوائد ‏"‏ وعن على بن شيبان‏,‏ أنه ‏(‏صلى بهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم- فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف نبي الله - صلى الله عليه وسلم- حتى انصرف الرجل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ استقبل صلاتك‏,‏ ولا صلاة لفرد خلف الصف‏)‏ رواه الأثرم وقال‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ حديث ملازم بن عمرو - يعنى هذا الحديث في هذا أيضا - حسن‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف أمام الإمام‏,‏ فأما حديث أبي بكرة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد نهاه فقال‏:‏ ‏"‏ لا تعد ‏"‏ والنهى يقتضي الفساد وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه‏,‏ وللجهل تأثير في العفو ولا يلزم من كونه موقفا للمرأة كونه موقفا للرجل بدليل اختلافهما في كراهية الوقوف واستحبابه وأما إذا وقف عن يسار الإمام‏,‏ فإن كان عن يمين الإمام أحد صحت صلاته لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود فلما فرغوا قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعل رواه أبو داود ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق النساء والعراة‏,‏ وإن لم يكن عن يمينه أحد فصلاة من وقف عن يساره فاسدة سواء كان واحدا أو جماعة وأكثر أهل العلم يرون للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام‏,‏ وأنه إن وقف عن يساره خالف السنة وحكي عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا لم يكن معه إلا مأموم واحد جعله عن يساره وقال مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ إن وقف عن يسار الإمام صحت صلاته لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أداره عن يمينه ولم تبطل تحريمته‏,‏ ولو لم يكن موقفا لاستأنف التحريمة كأمام الإمام‏,‏ ولأنه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر آخر فكان موقفا وإن لم يكن آخر كاليمين‏,‏ ولأنه أحد جانبى الإمام فأشبه اليمين ولنا أن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قام النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل فجئت فقمت فوقفت عن يساره‏,‏ فأخذ بذؤابتى فأدارنى عن يمينه‏)‏ متفق عليه وروى جابر قال‏:‏ ‏(‏قام النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي‏,‏ فجئت فوقفت عن يساره فأدارنى عن يمينه‏)‏ رواه أبو داود وقولهم‏:‏ إنه لم يأمره بابتداء التحريمة قلنا‏:‏ لأن ما فعله قبل الركوع لا يؤثر‏,‏ فإن الإمام يحرم قبل المأمومين ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم وكذلك المأمومون يحرم أحدهم قبل الباقين فلا يضر‏,‏ ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة وقولهم‏:‏ إنه موقف إذا كان عن يمين الإمام آخر قلنا‏:‏ كونه موقفا في صورة لا يلزم منه كونه موقفا في أخرى كما خلف الصف فإنه موقف لاثنين‏,‏ ولا يكون موقفا لواحد فإن منعوا هذا أثبتناه بالنص‏.‏

فصل

فإن وقف عن يسار إمامه وخلف الإمام صف احتمل أن تصح صلاته‏,‏ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- جلس عن يسار أبي بكر وقد روى أن أبا بكر كان الإمام ولأن مع الإمام من تنعقد صلاته به فصح الوقوف عن يساره‏,‏ كما لو كان معه عن يمينه آخر واحتمل أن لا تصح لأنه ليس بموقف إذا لم يكن صف فلم يكن موقفا مع الصف كأمام الإمام‏,‏ وفارق ما إذا كان عن يمينه آخر لأنه معه في الصف فكان صفا واحدا‏,‏ كما لو كان وقف معه خلف الصف‏.‏

فصل

السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح‏,‏ وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك وإسحاق‏:‏ تصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ ولأنه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه‏,‏ ولأن ذلك لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا هو في معنى المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام ويفارق من خلف الإمام فإنه لا يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه‏.‏

فصل

وإذا كان المأموم واحدا ذكرا فالسنة أن يقف عن يمين الإمام رجلا كان‏,‏ أو غلاما لحديث ابن عباس وأنس وروى جابر بن عبد الله قال‏:‏ ‏(‏سرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة‏,‏ فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيدى فأدارنى حتى أقامنى عن يمينه‏,‏ فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه‏)‏ رواه مسلم وأبو داود فإن كانوا ثلاثة تقدم الإمام‏,‏ ووقف المأمومان خلفه وهذا قول عمر وعلى وجابر بن زيد‏,‏ والحسن وعطاء والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود يرى أن يقفوا جميعا صفا ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخرج جبارا وجابرا فجعلهما خلفه ولما صلى بأنس واليتيم جعلهما خلفه‏,‏ وحديث ابن مسعود يدل على جواز ذلك وحديث جابر وجبار يدل على الفضل لأنه أخرهما إلى خلفه ولا ينقلهما إلا إلى الأكمل فإن كان أحد المأمومين صبيا‏,‏ وكانت الصلاة تطوعا جعلهما خلفه لخبر أنس وإن كانت فرضا‏,‏ جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره كما جاء في حديث ابن مسعود وإن جعلهما جميعا عن يمينه جاز‏,‏ وإن وقفهما خلفه فقال بعض أصحابنا‏:‏ لا تصح لأنه لا يؤمه فلم يصافه كالمرأة ويحتمل أن تصح لأنه بمنزلة المتنفل‏,‏ والمتنفل يصح أن يصاف المفترض كذا ها هنا‏.‏

فصل

وإن أم امرأة وقفت خلفه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أخروهن من حيث أخرهن الله‏)‏ ولأن أم أنس وقفت خلفهما وحدها فإن كان معهما رجل وقف عن يمينه ووقفت المرأة خلفهما وإن كان معهما رجلان وقفا خلفه‏,‏ ووقفت المرأة خلفهما وإن كان أحدهما غلاما في تطوع وقف الرجل والغلام وراءه والمرأة خلفهما لحديث أنس وإن كانت فريضة‏,‏ فقد ذكرنا ذلك وتقف المرأة خلفهما وإن وقفت معهم في الصف في هذه المواضع صح ولم تبطل صلاتها ولا صلاتهم على ما ذكرنا فيما تقدم وإن وقف الرجل الواحد والمرأة خلف الإمام فقال ابن حامد‏:‏ لا تصح لأنها لا تؤمه فلا تكون معه صفا وقال ابن عقيل‏:‏ تصح على أصح الوجهين لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة‏,‏ فأشبه ما لو وقف معه رجل وليس من الشرط أن يكون ممن تصح إمامته بدليل القارئ مع الأمي‏,‏ والفاسق والمتنفل مع المفترض ‏.‏

فصل

إذا كان المأموم واحدا فكبر عن يسار الإمام أداره الإمام عن يمينه‏,‏ ولم تبطل تحريمته كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- بابن عباس وجابر وإن كبر فذا خلف الإمام ثم تقدم عن يمينه‏,‏ أو جاء آخر فوقف معه أو تقدم إلى صف بين يديه أو كانا اثنين فكبر أحدهما وتوسوس الآخر‏,‏ ثم كبر قبل رفع الإمام رأسه من الركوع أو كبر واحد عن يمينه فأحس بآخر فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني‏,‏ ثم أحرم معه أو أحرم عن يساره فجاء آخر فوقف عن يمينه قبل رفع الإمام رأسه من الركوع‏,‏ صحت صلاتهم وقد نص أحمد في رواية الأثرم في الرجلين يقومان خلف الإمام‏,‏ ليس خلفه غيرهما فإن كبر أحدهما قبل صاحبه خاف أن يدخل في الصلاة خلف الصف فقال‏:‏ ليس هذا من ذاك‏,‏ ذاك في الصلاة بكمالها أو صلى ركعة كاملة وما أشبه هذا‏,‏ فأما هذا فأرجو أن لا يكون به بأس ولو أحرم رجل خلف الصف ثم خرج من الصف رجل فوقف معه صح لما ذكرنا‏.‏

فصل

وإن كبر المأموم عن يمين الإمام‏,‏ ثم جاء آخر فكبر عن يساره أخرجهما الإمام إلى ورائه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- بجابر وجبار‏,‏ ولا يتقدم الإمام إلا أن يكون وراءه ضيق وإن تقدم جاز‏,‏ وإن كبر الثاني مع الأول عن اليمين وخرجا جاز وإن دخل الثالث وهما في التشهد‏,‏ كبر وجلس عن يمين صاحبه أو عن يساره ولا يتأخران في التشهد‏,‏ فإن في ذلك مشقة‏.‏

فصل

وإن أحرم اثنان وراء الإمام فخرج أحدهما لعذر أو لغير عذر‏,‏ دخل الآخر في الصف أو نبه رجلا فخرج معه أو دخل فوقف عن يمين الإمام‏,‏ فإن لم يمكنه شيء من ذلك نوى الانفراد وأتم منفردا لأنه عذر حدث له فأشبه ما لو سبق إمامه الحدث‏.‏

فصل

إذا دخل المأموم‏,‏ فوجد في الصف فرجة دخل فيها فإن لم يجد‏,‏ وقف عن يمين الإمام ولا يستحب أن يجذب رجلا فيقوم معه‏,‏ فإن لم يمكنه ذلك نبه رجلا فخرج فوقف معه وبهذا قال عطاء والنخعي قالا‏:‏ يجذب رجلا فيقوم معه وكره ذلك مالك‏,‏ والأوزاعي واستقبحه أحمد وإسحاق قال ابن عقيل‏:‏ جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفا‏,‏ واختار هو أن لا يفعل لما فيه من التصرف فيه بغير إذنه والصحيح جواز ذلك لأن الحالة داعية إليه فجاز كالسجود على ظهره أو قدمه حال الزحام وليس هذا تصرفا فيه‏,‏ إنما هو تنبيه له ليخرج معه فجرى مجرى مسألته أن يصلي معه وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لينوا في أيدى إخوانكم‏)‏ يريد ذلك فإن امتنع من الخروج معه لم يكرهه وصلى وحده‏.‏

فصل

قال أحمد‏:‏ يصلي الإمام برجل قائم وقاعد ويتقدمهما وقال‏:‏ إذا أم برجلين أحدهما غير طاهر ائتم الطاهر معه وهذا يحتمل أنه أراد إذا علم المحدث بحدثه‏,‏ فخرج ائتم الآخر إن كان عن يمين الإمام وإن لم يكن عن يمينه صار عن يمينه‏,‏ كما ذكرنا فأما إن كان خلفه وعلم المحدث‏,‏ فإنما الصلاة لم تصح وإن لم يعلم المحدث بحدثه حتى تمت الصلاة صحت لأنه لو كان إماما صح الائتمام به فلأن تصح مصافته أولى‏.‏

فصل

ومن وقف معه كافر‏,‏ أو من لا تصح صلاته غير ما ذكرنا لم تصح مصافته لأن وجوده وعدمه واحد وإن وقف معه فاسق أو متنفل‏,‏ صار صفا لأنهما رجلان صلاتهما صحيحة وكذلك لو وقف قارئ مع أمى أو من به سلس البول مع صحيح‏,‏ أو متيمم مع متوضئ كانا صفا لما ذكرنا فإن وقف معه خنثى مشكل لم يكن صفا معه‏,‏ إلا من أجاز وقوف المرأة مع الرجل لأنه يحتمل أن يكون امرأة‏.‏

فصل

ولو كان مع الإمام خنثى مشكل وحده فالصحيح أن يقفه عن يمينه لأنه إن كان رجلا فقد وقف في موقفه وإن كان امرأة لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الإمام‏,‏ كما لا تبطل بوقوفها مع الرجال ولا يجوز أن يقف وحده لأنه يحتمل أن يكون رجلا فإن كان معهما رجل وقف الرجل عن يمين الإمام‏,‏ والخنثى عن يساره أو عن يمين الرجل ولا يقفا خلفه لأنه يحتمل أن يكون امرأة‏,‏ إلا عند من أجاز مصافة المرأة فإن كان معهم رجل آخر وقف الثلاثة خلفه صفا لما ذكرنا وإن كان مع الخنثى خنثى آخر فقال أصحابنا‏:‏ يقف الخنثيان صفا خلف الرجلين لأنه يحتمل أن يكونا امرأتين ويحتمل أن يقفا مع الرجلين لأنه يحتمل أن يكون أحدهما وحده رجلا‏,‏ فلا تصح صلاته وإن كان معهم نساء وقفن خلف الخناثى قال أبو الخطاب‏:‏ إذا اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال‏,‏ ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء وروى أبو مالك الأشعري‏,‏ عن أبيه أنه قال‏:‏ ‏(‏ألا أحدثكم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ قال‏:‏ أقام الصلاة فصف الرجال‏,‏ وصف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال‏:‏ هكذا صلاته‏)‏ قال عبد الأعلى‏:‏ لا أحسبه إلا قال‏:‏ ‏"‏ صلاة أمتى ‏"‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل

السنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل والسن ويلى الإمام أكملهم وأفضلهم قال أحمد‏:‏ يلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن‏,‏ وتؤخر الصبيان والغلمان ولا يلون الإمام لما روى أبو مسعود الأنصاري قال‏:‏ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم‏,‏ ثم الذين يلونهم‏)‏ رواه مسلم وعن أنس قال‏:‏ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه وقال أبو سعيد‏:‏ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخرا فقال‏:‏ ‏(‏تقدموا فأتموا بي‏,‏ وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وروى أحمد‏,‏ في ‏"‏ مسنده ‏"‏ عن قيس بن عباد قال‏:‏ أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- فأقيمت الصلاة‏,‏ وخرج عمر مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري‏,‏ فنحانى وقام في مكانى فما عقلت صلاتي‏,‏ فلما صلى قال‏:‏ أي بنى لا يسؤك الله فإنى لم آتك الذي أتيت بجهالة‏,‏ ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا‏:‏ ‏(‏كونوا في الصف الذي يليني‏)‏ وإنى نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك وكان الرجل أبي بن كعب‏.‏

فصل

وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها‏,‏ وشرها أولها لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها‏,‏ وشرها أولها‏)‏ رواه مسلم وأبو داود وعن أبي بن كعب قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الصف الأول على مثل صف الملائكة‏,‏ ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه‏)‏ رواه أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏ وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أتموا الصف المقدم‏,‏ فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر‏)‏ وعن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف‏)‏ رواهما أبو داود‏.‏

فصل

ويستحب أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وسطوا الإمام وسدوا الخلل‏)‏ رواه أبو داود ويكره أن يدخل في طاق القبلة‏,‏ إلا أن يكون المسجد ضيقا وكرهه ابن مسعود وعلقمة‏,‏ والحسن وإبراهيم وفعله سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي‏,‏ وقيس بن أبي حازم ولنا‏:‏ أنه يستتر به عن بعض المأمومين فكره كما لو جعل بينه وبينهم حجابا‏.‏

فصل

ولا يكره للإمام أن يقف بين السوارى ويكره للمأمومين لأنها تقطع صفوفهم وكرهه ابن مسعود‏,‏ والنخعي وروي عن حذيفة وابن عباس ورخص فيه ابن سيرين‏,‏ ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر لأنه لا دليل على المنع منه ‏.‏

ولنا ما روي عن معاوية بن قرة‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ كنا ننهى أن نصف بين السوارى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونطرد عنها طردا رواه ابن ماجه ولأنها تقطع الصف فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين لم يكره‏,‏ لأنه لا ينقطع بها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا صلى إمام الحي جالسا صلى من وراءه جلوسا‏]

المستحب للإمام إذا مرض وعجز عن القيام أن يستخلف لأن الناس اختلفوا في صحة إمامته‏,‏ فيخرج من الخلاف ولأن صلاة القائم أكمل فيستحب أن يكون الإمام كامل الصلاة فإن قيل‏:‏ فقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- قاعدا بأصحابه‏,‏ ولم يستخلف قلنا‏:‏ صلى قاعدا ليبين الجواز واستخلف مرة أخرى ولأن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- قاعدا أفضل من صلاة غيره قائما فإن صلى بهم قاعدا جاز‏,‏ ويصلون من ورائه جلوسا فعل ذلك أربعة من الصحابة أسيد بن حضير‏,‏ وجابر وقيس بن قهد وأبو هريرة وبه قال الأوزاعي‏,‏ وحماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر وقال مالك في إحدى روايتيه‏:‏ لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن لأن الشعبي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يؤمن أحد بعدى جالسا‏)‏ أخرجه الدارقطني ولأن القيام ركن‏,‏ فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ يصلون خلفه قياما لما روت عائشة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- استخلف أبا بكر‏,‏ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم- وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر‏,‏ فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم- قاعد‏)‏ متفق عليه وهذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولأنه ركن قدر عليه فلم يجز له تركه‏,‏ كسائر الأركان ‏.‏

ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه‏,‏ وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون‏)‏ متفق عليه وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاك‏,‏ فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم‏,‏ أن اجلسوا فلما انصرف قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا‏,‏ وإذا رفع فارفعوا وإذا قال‏:‏ سمع الله لمن حمده فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا‏,‏ فصلوا جلوسا أجمعون‏)‏ وروى أنس نحوه أخرجهما البخاري ومسلم وروى جابر‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثله أخرجه مسلم ورواه أسيد بن حضير وعمل به وقال ابن عبد البر‏:‏ روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من طرق متواترة من حديث أنس‏,‏ وجابر وأبي هريرة وابن عمر‏,‏ وعائشة كلها بأسانيد صحاح ولأنها حالة قعود الإمام فكان على المأمومين متابعته‏,‏ كحال التشهد فأما حديث الشعبي فمرسل يرويه جابر الجعفى وهو متروك وقد فعله أربعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- بعده وأما حديث الآخرين‏,‏ فقال أحمد‏:‏ ليس في هذا حجة لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة فإذا ابتدأ الصلاة قائما صلوا قياما فأشار أحمد إلى أنه يمكن الجمع بين الحديثين بحمل الأول على من ابتدأ الصلاة جالسا‏,‏ والثاني على ما إذا ابتدأ الصلاة قائما ثم اعتل فجلس ومتى أمكن الجمع بين الحديثين وجب‏,‏ ولم يحمل على النسخ ثم يحتمل أن أبا بكر كان الإمام قال ابن المنذر‏:‏ في بعض الأخبار أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس وفي بعضها أن أبا بكر كان الإمام وقالت عائشة‏:‏ صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا وقال أنس‏:‏ صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به قال الترمذي‏:‏ كلا الحديثين حسن صحيح‏,‏ ولا يعرف للنبى - صلى الله عليه وسلم- خلف أبي بكر صلاة إلا في هذا الحديث وروى مالك عن ربيعة الحديث قال‏:‏ وكان أبو بكر الإمام وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي بصلاة أبي بكر وقال‏:‏ ‏(‏ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته‏)‏ قال مالك‏:‏ العمل عندنا على حديث ربيعة هذا‏,‏ وهو أحب إلى فإن قيل‏:‏ لو كان أبو بكر الإمام لكان عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قلنا‏:‏ يحتمل أنه فعل ذلك لأن وراءه صفا‏.‏

فصل

فإن صلوا وراءه قياما ففيه وجهان‏:‏ أحدهما لا تصح صلاتهم أومأ إليه أحمد‏,‏ فإنه قال‏:‏ إن صلى الإمام جالسا والذين خلفه قياما لم يقتدوا بالإمام إنما اتباعهم له إذا صلى جالسا صلوا جلوسا وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالجلوس‏,‏ ونهاهم عن القيام فقال في حديث جابر‏:‏ ‏(‏إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا وإذا صلى قائما فصلوا قياما‏,‏ ولا تقوموا والإمام جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها فقعدنا‏)‏ والأمر يقتضي الوجوب والنهى يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه ترك اتباع إمامه‏,‏ مع قدرته عليه أشبه تارك القيام في حال قيام إمامه والثاني‏:‏ تصح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما صلى وراءه قوم قياما لم يأمرهم بالإعادة‏,‏ فعلى هذا يحمل الأمر على الاستحباب ولأنه يتكلف للقيام في موضع يجوز له القعود أشبه المريض إذا تكلف القيام ويحتمل أن تصح صلاة الجاهل بوجوب القعود دون العالم بذلك‏,‏ كقولنا في الذي ركع دون الصف فأما من وجب عليه القيام فقعد فإن صلاته لا تصح لأنه ترك ركنا يقدر على الإتيان به.

فصل

ولا يؤم القاعد من يقدر على القيام إلا بشرطين‏:‏ أحدهما أن يكون إمام الحي نص عليه أحمد فقال‏:‏ ذلك لإمام الحي لأنه لا حاجة بهم إلى تقديم عاجز عن القيام إذا لم يكن الإمام الراتب فلا يتحمل إسقاط ركن في الصلاة لغير حاجة‏,‏ والنبي - صلى الله عليه وسلم- حيث فعل ذلك كان هو الإمام الراتب الثاني‏:‏ أن يكون مرضه يرجى زواله لأن اتخاذ الزمن ومن لا يرجى قدرته على القيام إماما راتبا يفضي إلى تركهم القيام على الدوام‏,‏ ولا حاجة إليه ولأن الأصل في هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- والنبي - صلى الله عليه وسلم- كان يرجى برؤه‏.‏